لماذا تغير المؤسسات استراتيجياتها وخططها وتوجهاتها أو أساليب عملها؟ هل الثبات على الأوضاع الحالية أفضل أم التغيير؟ لماذا بعض المؤسسات تتضمن إدارات أو أقسام معنية بالتغيير المؤسسي؟ وهل هناك فوائد للتغيير؟ وما هي الحاجة إلى التغيير أصلا؟
هذه تساؤلات تثار دائما بشأن مفهوم “التغيير” على مستوى المؤسسات والمنظومات، تحاول أن تبحث في جدواه والحاجة له، ويختصر الإجابة على ذلك أحد الأقوال الإدارية الذي يفيد بأن الهدف من التغيير تحقيق أقصى استفادة من المنافع، باعتبار أن المؤسسات والمنظومات تعمل وفق موارد محددة لتحقيق أهداف معينة، بالتالي التغيير المطلوب هو الذي يخلق الأوضاع المساعدة على تحقيق مزيد من الأهداف عبر الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة.
يمكن تعريف إدارة التغيير المؤسسي على أنها: “عملية تقوم على تجديد خطط واستراتيجيات العمل لتواكب المتغيرات المحيطة، وبموجبها يتم تعديل مسار الأهداف الحالية أو ترقيتها وتجديدها بما يطور أداء المؤسسة ويرفع درجة فعالية الأفراد فيها من خلال استشراف المستقبل وتحسين الخدمات وتنوع أساليب العمل دون الاعتماد على قوالب العمل الروتينية والجامدة”
للتغيير المؤسسي فوائد عديدة وله تأثيراته الإيجابية على المؤسسة بشكل شامل، ومن هذه الفوائد يمكن إبراز ما يلي بشكل مختصر: أولها تجديد استراتيجيات العمل بحيث تكون متقدمة وأعلى مستوى وفاعلية عما سبقها بناء على تجديد الأهداف أيضا وفق ما تفرضه متغيرات وتحديات المتغيرات المحيطة والمعنية بعمل المؤسسة، وهذا ما يدفع المؤسسة لرفع مستوى أدائها وزيادة قدرتها على تحقيق الأهداف، وإن كانت مؤسسات تقدم خدمات للعملاء فإن عملية التغيير المؤسسي تسهم بالضرورة في تحسين الخدمات المقدمة للعميل عبر رفع جودتها.
كذلك تسهم عملية التغيير المؤسسي في تعزيز مهارة استشراف المستقبل وهذا يسهم في تقليل حجم المخاطر وإيجاد الحلول المناسبة والبدائل الملائمة مع الظروف المتغيرة.
كما أن التغيير المؤسسي يجنب المؤسسات وأفرادها الاعتماد على قوالب روتينية وجامدة ومحدودة ضمن أساليب العمل، ويخلق لديهم في المقابل الرغبة الدائمة في إحداث التغييرات الإيجابية والمؤثرة على العمل والمشاريع والمخرجات. هذا بالإضافة إلى تعزيز ثقافة “تبني التغيير” لدى الجميع باعتباره الأداة التي تضمن الديمومة والاستمرارية في التطوير.
هناك جوانب كثيرة معنية بعملية التغيير المؤسسي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عملية التغيير في الأهداف الرئيسية للمؤسسة، والتي بناء عليها تستوجب عمليات تغيير في الاستراتيجيات والخطط وأساليب العمل والعمليات المرتبطة بالتشغيل والإدارة. إضافة إلى ذلك ما تفرضه عملية التغيير المؤسسي من تغيير في دور بعض الأفراد والمسئوليات، وقد تصل إلى مرحلة إحداث تغيير في الطاقات والكوادر الموجودة في المؤسسة بناء على ما تفرضه الاستراتيجيات والأهداف الجديدة، إذ قد ينشأ عن التغيير الحاجة لتدشين عمليات جديدة تحتاج إلى طاقات جديدة أو قد تفرض إجراء تدوير وإحلال وكذلك استبدال. المسارات العملية أيضا قد يطالها التغيير بشكل جذري بحيث تتبدل أو قد يقتصر ذلك على تغيير محدود يعدل من هذه المسارات. كذلك قد يفرض التغيير عمليات دمج هيكلية لإدارات وأقسام أو استبدال أساليب قديمة بأخرى جديدة تكون أكثر فعالية.
الإدارة العليا في المؤسسة تكون دائما الجهة الأولى المعنية بإدارة التغيير المؤسسي، بحيث ترسم ملامح هذا التغيير وتحرص على تنفيذه بالشكل المطلوب، ويمكن للإدارة العليا أن تشرك أطرافا داخلية في المؤسسة وهذه الخطوة بالتحديد جعلت بعض المؤسسات تتجه لإنشاء إدارات معنية بمتابعة التغيير أو تشكيل فرق عمل معنية بإدارة التغيير حتى تكون العملية مستمرة وتتم متابعتها بشكل دائم ودقيق. كما أن بعض المؤسسات التي تبدأ مرحلة التغيير المؤسسي قد تستعين بجهات استشارية أو بيوت خبرة متخصصة في عمليات التغيير المؤسسي لتضمن بذلك أعلى نسبة لتطبيق العملية بشكل صحيح ومنهجي.
خطوات التغيير المؤسسي تتضمن كثيرا من التفاصيل الداخلية للعمليات، لكن يمكن توضيحها كمراحل تبدأ أولا بتحديد أوجه التغيير المطلوب والتي يتم تحديدها بناء على الأهداف المراد تحقيقها. تلي ذلك عملية هامة معنية بتقييم مدى الحاجة للتغيير في كل جانب سيتأثر به، وما إذا كان التغيير المنشود لازما وملحا أو يمكن الاستغناء عنه وتركيز التغيير في جوانب أخرى. تعقب ذلك عملية تشخيص المشكلات التي تم تحديدها سابقا بالضرورة إذ هي أساس عملية التغيير منذ البداية، وإدراك مسببات هذه المشكلات ووضع تصور للحلول والعلاجات. بعدها لابد من توزيع الأدوار سواء على الإدارات المعنية أو فريق العمل المشكل، لتبدأ عملية وضع الاستراتيجيات ثم العمل على تنفيذها وأخيرا مراجعة العمليات والنتائج. وعادة تتخلل هذه الخطوات مرحلة مهم جدا التعامل معها وهي معنية بمقاومة التغيير إن وجدت.
ورغم الحماس ومشاعر الترقب للتجديد ونتائجه الذي تخلقه عمليات التغيير إلا أن هناك مخاطراً لهذه العملية معنية على الأخص بالعنصر البشري سواء الموجود في المؤسسة أو حتى على صعيد العملاء المستفيدين من الخدمات المقدمة لهم. إذ على الصعيد الداخلي مهم جدا توقع وجود نوع من التوجس أو القلق أو حتى المقاومة من قبل أفراد للتغيير، وأسباب ذلك تعود غالبا للتخوف من الجديد القادم سواء أكانت أساليب عمل أو تقييم أو تغيير في الروتين المعتاد الذي اعتاده ويفضله البعض. وقد تتطور المسألة في أسوأ السيناريوهات لدى البعض من مجرد التوجس من التغيير إلى العمل ضده، وهي عملية تؤثر بشكل كبير في سلاسة تطبيق خطط التغيير المؤسسي، وتؤثر بالضرورة على الجميع كيانا وأفراد. أما على مستوى العملاء فيتوجب وضع خطة إعلامية وتسويقية تبين لهم فوائد ومنافع التغيير عليهم من ناحية الخدمات المقدمة لتحل محل أي تخوف لديهم من تأثر جودة ومستوى الخدمات نتيجة للتغيير.
يمكن التغلب على المقاومة الداخلية للتغيير المؤسسي من خلال التعامل الذكي مع العناصر التي تتخوف أو تعارضه وذلك عبر إشراكهم بشكل مباشر في عملية التغيير ومنحهم أدوارا مؤثرة وهامة تجعلهم يدركون أنهم جزء من الإنجاز المعني بالتطوير، مع ضرورة تقدير إسهاماتهم في العمليات التي ستتم والنتائج التي ستتحقق. طبعا يتم هذا بعد منحهم الوقت الكافي لإدراك فوائد ومنافع هذا التغيير عبر الشروحات التفصيلية لمراحل العملية، وبيان الاستفادة المرجو تحقيقها بالنسبة للمؤسسة ولهم كأفراد من خلال التطور الوظيفي والمعرفي.
من المهم في عملية التغيير المؤسسي ترسيخ الإيمان لدى الأفراد بضرورة التغيير، والأفضل دفعهم لاكتشاف فوائد التغيير على أنفسهم بشكل شخصي وكيف سيكون مردوده الإيجابي على المنظومة بشكل عام. كما أن نجاح المؤسسات مرهون بالتكيف مع المتغيرات المحيطة بها وقدرتها السريعة على التأقلم والمواكبة وتغيير الاستراتيجات والأساليب، خاصة وأن بعض المتغيرات الفجائية تفرض على المؤسسات عمليات تغيير ملحة لا يمكن التأخر فيها، وما شهده العالم في شأن التعامل مع تفشي وباء فيروس كوفيد 19 يثبت ذلك بكل وضوح، إذ كيف غيرت كثير من المؤسسات مسارات عملها بشكل جذري حتى تواكب ما فرضته الجائحة وتقلل الأضرار من وراء ذلك، وتصنع قصص نجاح رغم التحديات التي صاحبت الجائحة.