تخيل لو أن الأمريكي توماس ألفا إديسون المولود في 11 فبراير من عام 1847م بولاية أوهايو قرر أن ييأس من محاولته الأولى لاختراع المصباح الكهربائي، هل كان العالم سيشهد إعلان ولادة النور الكهربائي في 22 أكتوبر من عام 1879م؟!
المفارقة بأن توماس إديسون لم ييأس من محاولته الأولى ولا الثانية ولا المائة ولا الألف! إذ نجح هذا المخترع العظيم في تقديم المصباح الكهربائي المستمر في التوهج بصورته النهائية الناجحة بعد 1800محاولة فاشلة! نعم مئات المحاولات الفاشلة لم تثني عزيمته أو تدفعه لترك الفكرة والاتجاه لفكرة أخرى، بالتالي قدم توماس إديسون للعالم مبدأ هاما من المبادئ الإدارية التي حينما تطبق في مواقع العمل أو حتى في أوجه الحياة المختلفة فإنها تصنع الفارق المؤثر دائما، هذا المبدأ هو “الفشل الخطوة الأولى للنجاح”.
علم الإدارة، يوثق في أساسياته الرئيسية في شأن التخطيط الاستراتيجي والتنظيم ومحاولة بناء النجاح بطريقة علمية صحيحة، يوثق المبدأ الذي يقول بأن “الفشل قد يكون سببا من أسباب النجاح”، بمعنى أنه عندما تفشل أو تقع في أخطاء تعرض جهودك كلها للخلوص لنتيجة معاكسة لما خططت له، فإن النقطة الأولى التي تبدأ عندها تتمثل بـ”الاعتراف بالفشل”. وحينما نعترف بـ”الفشل”، ونواجه أنفسنا بكل صراحة، ونشخص خططنا وأدائنا بكل واقعية، ونمتلك الجرأة لمواجهة المجتمع والجماهير ونعلن مسئوليتنا عن الأخطاء أو الفشل، هنا نكون وضعنا أول خطوة لأقدامنا على طريق التصحيح، مع الأخذ في الاعتبار بأن الاعتراف بالخطأ دون “نية صادقة” لتصحيحه أو تعديل أساليب العمل، لن يصنع إلا تكرارا للفشل ولربما يقود لفشل أكبر منه.
هل الفشل أمر معيب؟! وهل هو أمر يتوجب إخفاءه أو أمر يجعلنا نتراجع عن قرارات وأهداف وأساليب عمل؟! الإجابة “لا” من منطلقات علم الإدارة؛ فالذكاء الإداري هو الذي يجعلك ترى فرصة في كل فشل، بل هو ما يجعلك تستثمر الفشل لتحوله إلى بداية مشوار لتحقيق نجاحات مبهرة، وهذا ما فعله إديسون وغيره من مخترعين، إذ لو قبلوا بالاستسلام للفشل لما تطورت البشرية ولما وصلنا لحصيلة وافرة من الاختراعات تمضي بوتيرة متسارعة كل يوم.
وقبول الفشل لا يعني التساهل في العمل والاتقان فيه، بل السعي الحثيث والجاد والعملي والمهني لتفادي أي نوع من الفشل حتى قبل حدوثه هو جزء أساسي من صلب علم الإدارة، وعليه نتجت مجموعة من المسارات العملية لتفادي أي نوع من الفشل في إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management، ولين سيكس سيجما Lean Six Sigma، وتفكير وديناميكيات الأنظمة System Thinking and System Dynamics، وإدارة المخاطر Risk Management.
يقول مالكوم فوربس صاحب مجلة “فوريس” الشهيرة: “الفشل هو النجاح إن تعلمنا منه”، بينما يعتبر هنري فورد مؤسسة شركة “فورد” العملاقة للسيارات الأمريكية بأن “الفشل فرصة للإبداع، وهي فرصة للبدء من جديد لكن بذكاء أكبر”، وهناك عشرات التوصيفات لمخترعين ومؤثرين وصانعي ثورات وطفرات إبداعية تعتبر الفشل “عنصرا محببا” تواجده في أي عمل، لأنه يمثل فرصة للتعلم وبداية صعود لسلم النجاح، ولم يعتبروه أبدا نتيجة تحتم عليهم اليأس والتوقف عما يقومون به.
من المهم هنا تعريف الفشل، وهو ما يمكن اعتباره ببساطة “الإخفاق في تحقيق الأهداف المرصودة”، سواء أكانت أهدافا مهنية أو شخصية بتنوع الممارسات البشرية، إذ عدم الوصول للنتيجة يعتبر فشلا للجهود المبذولة، في حين يقابله “النجاح” وهو ما يُعرف ببساطة أيضا بأنه “الوصول للطموح وتحقيق الغاية التي لأجلها بذلت الجهود ضمن سلسلة من الأعمال المنظمة”.
هنا لابد من إدراك ارتباط التعريفان ببعض، فالنجاح ينظر إليه من منظور إيجابي، في مقابل النظرة السلبية للفشل، لكن الممارسات الإدارية الذكية هي التي تنظر للفشل بمنظور إيجابي أيضا، إذ يُعتبر الفاشل “محظوظا” لأنه إن اعترف أولا بالفشل، وإن وجدت لديه النية الصادقة لتصحيح مسارات عمله، فإنه سيعرف مسببات الفشل وسيحاول بالضرورة تجنبها، إذ بمعرفة المسببات ستتضح الطرق الأنسب لتحقيق النجاح، وسيتعلم بالتأكيد من التجربة الفاشلة كيف يهيئ الظروف المناسبة ويوفر العوامل اللازمة ليتجنب تحقيق نفس النتيجة، وسيساعده ذلك في اختبار قدراته بشكل دائم مع الإصرار لمعرفة مستوياتها وقابليتها في صناعة النجاح هذه المرة.
هناك عدة عوامل عبر تطبيقها يمكن للشخص أن يحول الفشل إلى نجاح مؤكد، وأشهرها خمسة عوامل حددها مالكوم فوربس بناء على خبرته، إذ يرى بأن “الإيمان بالقدرات الفردية” أمر هام جدا لدى الشخص الذي يسعى للنجاح، فلو تزعزعت ثقة الشخص بقدراته فإنه من الاستحالة عليه أن يحقق النجاح كونه غير متأكد من امتلاكه القدرة للقيام بهذا الأمر أو لا، وهذا العامل بالذات مهم لأنه أساس لتحقيق العوامل الأخرى على رأسها “عدم التراجع عن الأهداف”، إذ الإنسان المؤمن بقدراته سيسعى دائما لتحقيق أهدافه مهما بلغت الصعوبات ومهما تعددت عمليات الفشل كما كان الحال مع إديسون وغيره، وهنا على هذا الشخص الحذر من عامل خطير جدا يتمثل بـ”مقاومة التثبيط”، وهي عملية قد تنسف كل جهوده أو تحطم عزيمته ودافعيته إن استسلم لها، سواء أكانت عمليات تثبيط داخلية من خلال تزعزع ثقته بنفسه وقدرته على تحقيق الأهداف، أو التحول لفريسة سهلة للتثبيط من قبل الآخرين الذين يحكمون على النتائج سريعا، وهو ما تحدث عنه تحديدا العالم الألماني الشهير ألبيرت أينشتاين حينما قال بأنه يطبق العكس دائما عندما يرى نصائح من حوله تقوده باتجاه الإحباط بسبب تكرار الفشل. ولذلك شدد فوربس على عامل “الاستمرار في المحاولة” كرد فعل مقاوم لأية محاولات تثبيط، بينما العامل الذي لا يجب إغفاله أبدا يقوم على “كيفية تحليل الفشل وجعل النجاح ينمو من خلاله”.
ومن العوامل المهمة جدا لإبدال الفشل بالنجاح هو وجودك في بيئة عمل أو وسط اجتماعي يدفعك ويشجعك باتجاه استثمار الفشل، ولذلك فإن البيئات السلبية أو المتمسكة بروتين العمل الاعتيادي قد تخلق نمط تفكير سلبي يجعل الخوف من تكرار نفس التجربة وتحقيق نفس الفشل هاجسا دائما، الأمر الذي يقود لفقدان الثقة بالنفس وسهولة التعرض للإحباط والوصول لمراحل اليأس والبحث عن أسباب لإلصاق الفشل بها. وهنا تكمن المشكلة؛ فالخوف من الفشل هو أولى الخطوات باتجاهه، بالتالي البيئة الإيجابية مهمة جدا للاستثمار في الفشل، إذ هي من تجعلك ترفض الاستسلام له وتدفعك لمواجهته، فهي مجرد معركة واحدة الهزيمة فيها لا تعني خسارة الحرب، وعليه فإنها تخلق لديك تقبلا للفشل وتدفعك لابتكار أساليب واستراتيجيات للتحدي، فالناجح لا يهرب من الفشل، بل هو من يتذكر بأن الفشل “وسيلة” لتعلم شيء جديد دوما، بالتالي وسيلة للنجاح وليست “نتيجة” يتوقف عندها العمل وترفع الرايات البيضاء بعدها.
وهناك سمات معينة تمكن أي شخص من الاصطفاف في أي من الفريقين: الناجحين والفاشلين، ومن أشهرها على المستوى الإداري بأن الناجح يفكر دائما في الحلول بينما الفاشل يفكر في المشكلة، والأول يرى حلا في كل مشكلة، بينما الثاني يرى مشكلة في كل حل، والأول يرى الحل صعبا لكنه ممكن في حين أن الثاني يراه ممكنا لكنه صعب، والأول لا تنتهي أفكاره في مقابل أن الثاني لا تنتهي أعذاره، والناجح نظرته دائما ترقب المستقبل ويتطلع لكسر المستحيل، بينما الفاشل تتمسك أنظاره بالماضي فتتحول لديه تطلعات المستقبل إلى ضرب من المستحيل.
المقارنات والسمات تطول، لكن خلاصة القول تتمثل بأن المستسلمون للفشل يضيعون على أنفسهم أثمن فرص التعلم من التجارب، فالبشرية لم تتطور بالمحاولات الأولى، بل التجربة والتكرار والتعلم من السقوط هو أساس تراكم الخبرة والتطور والارتقاء، فالفشل سيكون وصفا “سلبيا” لو تركناه في مكانه ثابتا كـ”نتيجة”، لكنه ممارسة “إيجابية جدا” لو استفدنا وتعلمنا منه ليكون “أول خطوة في طريق النجاح”، لأن الفشل الحقيقي هو عندما نتوقف عن المحاولة للوصول إلى النجاح.