عندما يتحول موقع العمل بالنسبة للموظف إلى مكان يتشوق للذهاب إليه يوميا، ويحرص على التوجه إليه بروح إيجابية وحماس متقد رغبة منه في الإنجاز والإبداع وإيمانا منه بأنه عنصر مهم في العمليات اليومية، فإننا هنا أمام نتيجة رائعة من نتائج صناعة بيئات العمل المثالية.
بيئة العمل تُعرف على أنها: “المكان الذي يؤدي فيه الموظف مهامه ويتفاعل فيه مع زملاءه ويتفاعل فيها مع كل العناصر المادية والنفسية المرتبطة بنوعية العمل”. لكن حديثنا هنا عن “بيئة العمل المثالية”، وهي ما يمكن تعريفه على أنها: “مكان العمل المتميز في جميع عوامله النفسية والمادية والمهنية والاجتماعية وعملياته الإدارية التي تخلق لدى الموظف الرضا الوظيفي والاستقرار المهني والنفسي وتهيئ له كافة الظروف التي تعزز لديه الدافعية للإنجاز والتميز والابتكار وفق أعلى درجات العطاء والتميز والشعور بالفخر والانتماء، في ظل وجود احترام له وتقدير وتكريم لعطاءه وحفظ لحقوقه وفرص تطويره وصقل مهاراته”.
السؤال هنا: كيف نصنع بيئة عمل مثالية؟
هناك عدة عناصر تتداخل مع بعضها لو تم تحققها بشكل صحيح وفعال فإنه يمكن صناعة بيئة عمل مثالية تُضمن لها الديمومة والاستمرار. وهنا نلخصها في ثلاثة عناصر:
أولا: خصائص بيئة العمل:
لأي بيئة عمل خصائص وسمات، وحينما نتحدث عن البيئات المثالية فإنها تتميز بسمات تجعلها مغايرة بالضرورة عن بيئات العمل التقليدية، رغم أن هذه السمات هي العناصر المطلوبة دائما في كل بيئة عمل تسعى للإنجاز، وهنا سنستعرض بعض هذه السمات.
من المهم جدا وجود نظام إداري واضح يحدد الحقوق الوظيفية لكل موظف في منظومة العمل وكذلك يبين له واجباته التي هي أساس وجوده في المنظومة والمطالب هو بالقيام بها. وحفظ الحقوق للجميع هنا يكون من خلال تطبيق العدالة الإدارية (راجع مقال العدالة الإدارية).
والبيئة المثالية حينما تمنح التقدير فإنها تمنحه بناء على العطاءات والإنجازات التي يحققها الأفراد في إطار عملهم، وهنا وجود نظام إداري ذكي ومثالي من قبل المسئول الأول عن المنظومة الإدارية هو ما يعزز هذه الإنجازات، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة العمل الدائم بروح الفريق الواحد وأن كل عنصر مهم من خلال الدور الذي يقوم به.
هنا تبرز أهمية وجود مرونة إدارية في منظومات العمل بحيث تركز بشكل أكبر على الإنجاز وخلق مساحات واسعة للموظف حتى يعمل دون قيود مع احترام الإجراءات الإدارية واتباع أنظمتها، وهذا ما يعزز الحرص على تحويل بيئة العمل إلى بيئة آمنة للموظف يبدع فيها وهو واثق من الخطوات التي يقوم بها، إذ قناعته الدائمة تكون بأنه في وسط مهني أجواءه تشجع باستمرار على تقديم المبادرات والابتكارات وكل صور الإبداع.
نقطة هامة أخرى ترتبط بالوضوح في بيان مسار التطور والتقدم لكل موظف وكيفية ربط تطوره وتقدمه بعطاءه وتميزه وهذا سيقوده لتحقيق نجاحات أكبر.
أيضا بيئات العمل المثالية تحرص بشكل دوري على كسر الروتين المهني المعتاد من خلال إقامة فعاليات إجتماعية بين الفترة والأخرى وهو ما يخلق الارتياح لدى الموظفين ويخفف عنهم ضغوط العمل ويجعلهم أقرب إلى بيئة العمل عبر اعتبارها بيئة أسرية تضم أفرادا من عائلة واحدة، وهذا ما يجعل فرق العمل التي ترتبط مع بعضها بهذا الرابط تتعامل بشكل دائم مع أية مشكلات أو مواقف بإيجابية وتعاون عبر البحث الجماعي عن حلول وعلاجات سريعة وفاعلة.
ثانيا: دور رأس الهرم:
لقائد المنظومة الإدارية دور فاعل ورئيسي، خاصة وأنه يملك صلاحيات صناعة واتخاذ القرار وتحديد اتجاهات عمل وسير المنظومة، وكلما كان هدف القائد الوصول لبيئة مثالية محفزة ومنتجة كلما كانت مساعي التحسين والتطوير والابتكار في مجال الإدارة بمثابة ممارسة يومية يعمل على غرس مبادئها وتعزيز قيمها.
القائد الصانع لبيئة العمل المثالية يهتم دائما بصقل مهارات الأفراد واستكشاف قدراتهم وتوظيفها بشكل إيجابي في تحقيق أهداف العمل وتوجيهها في جانب الابتكار والإبداع، وهذا ما يجعله قائدا منفتحا دائما وساعيا للتواصل المستمر مع الموظفين باختلاف مستوياتهم.
هذه النوعية من القياديين الإداريين يسعون دائما إلى تحويل بيئة العمل إلى بيئة عائلية تحكمها العلاقات الودية والأخلاقيات والتعامل الراقي ويركز على تعزيز الثقة المتبادلة بين الجميع بلا استثناء.
ونجد هنا لدى هذه النوعية من القياديين حرصا على إشاعة ثقافة التقدير والتشجيع لتعزيز أداء الأفراد وتحفيزهم بالإضافة إلى المتابعة الدائمة لمساعدة الأفراد للتغلب على الصعوبات التي تواجههم، وفي المقابل ترى القائد الذكي هو الذي يحول نظام الحوافر والمكافآت إلى ثقافة راسخة عبر ممارسات مستمرة بهدف تشجيع الأفراد وتحفيزهم ودفعهم لتقديم أفضل ما لديهم من مجهود وأداء، مع حرصه على إدارة عملية التقدير وفق آليات العدالة الإدارية.
ثالثا: دور الموظف:
وحتى تكتمل المعادلة المطلوبة لصناعة بيئة العمل المثالية فإن العنصر الثالث يعتبر قلب العملية بأكملها، إذ الكوادر البشرية المتمثلة في الموظفين يمثلون حجر الزاوية في نجاح هذا المسعى، وعليه الموظف الذي يطمح للعمل في مثل هذه البيئات النموذجية والمثالية والتي تمنحه في المقابل الراحة الوظيفية والمساحة للإنجاز والتطور عليه أن يتسم بعدة صفات ويلتزم بعدة واجبات، إذ مطلوب أن يكون عنصرا إيجابيا وفاعلا وذلك من خلال الالتزام بالقوانين والإجراءات والإدراك التام بالواجبات والحقوق بالإضافة إلى احترام عمليات تنظيم العمل، وهي ما تدفعه إلى أداء المهام على أكمل وجه دون تأخير أو تقصير وكذلك الالتزام بالضوابط الأخلاقية والمهنية عبر تجنبه للعادات والسلوكيات غير الإيجابية التي تؤثر على سير العمل، سواء عبر إضاعة الوقت أو الانشغال بنقل الكلام أو إشاعة أجواء التوتر بين الزملاء أو التأخير في أداء المهام والواجبات،
وعلى الموظف الإيجابي الحرص على الانخراط الفاعل في العمل الجماعي لتبادل الخبرات ودعم زملائه لضمان إنجاز العمل بشكل متكامل وذلك عبر التمثل بروح المسئولية في العمل والمبادرة في طرح الأفكار والمشاريع. أما على الصعيد الشخصي فمن المهم انفتاحه وتقبله الإيجابي الدائم مع فرص التحسين والتطوير، من خلال الحرص على التدريب وزيادة المعرفة بالإضافة إلى تعزيز مهارات الابتكار والإبداع.
تكاملية العناصر الثلاثة:
للوصول إلى بيئة عمل مثالية وإيجابية لابد من التكامل بين هذه العناصر الثلاث عبر وصولها لمستوى متقدم ونموذجي في التطبيق، فخلاصة القول هنا أنه من المهم ضمان وجود بيئة عمل إيجابية مشجعة بكافة عواملها التي ذكرناها سابقا، مع ضرورة وجود إدارة عليا متفوقة في استراتيجيات وفنون الإدارة الذكية المثالية القائمة على العناصر المحفزة مثل التشجيع والتطوير والتقدير والإنجاز والعدالة على سبيل المثال لا الحصر، بالإضافة إلى موظفين ملتزمين بواجباتهم ويحركهم الحماس باتجاه التطور الشخصي والإنجاز الدائم من خلال الابتكار والإبداع والسعي للتفوق والتميز.