نجاح أي مؤسسة أو منظومة عمل لا يرتبط فقط بالنتائج ونوعيتها وكيفية تحقيقها، بقدر ما يرتبط بسلامة سير العمليات وتطبيق أساليب الحوكمة الإدارية الصحيحة فيها. وحتى يُضمن تحقق ذلك والتأكد بأن كل العمليات تتم بطرقها السليمة وأن كل فرد يقوم بعمله بشكل نموذجي لابد من تفعيل أدوات ما يسمى اصطلاحا “بالرقابة الإدارية”.
يمكن تعريف الرقابة الإدارية على أنها: “عملية استراتيجية أساسية هامة بالنسبة للعمليات الإدارية، وذلك لارتباطها بتحديد نجاح مراحل العمل المختلفة من تخطيط وتنظيم وتنفيذ وتقييم، كونها أداة إدارية تتضمن حزمة من الإجراءات التي تقيس الأداء وتتأكد من قيام كل موظف بدوره، وتحدد الأخطاء والانحرافات في سير العمل، ما يجعلها مثل المؤشر الذي يحكم بنجاح العمليات من عدمه، وبما يساعد على تصحيح المسارات الخاطئة من خلال ما تمد به الإدارة العليا من معلومات ونتائج عن الأداء وسير العمل، ويمكن أن توجد على هيئة إدارة رقابة ذاتية داخلية في المنظومة، أو خارجية تتبع جهات عليا في الدولة وتضطلع بدور الرقابة والتدقيق ورصد الأخطاء والتجاوزات وتضع معالجات لازمة لها”.
أهمية الرقابة الإدارية -بالأخص التي تكون داخل منظومة العمل، وعادة تكون ضمن هيكلها الإداري وتتبع القيادة العليا- تكمن في تركيزها على عناصر هامة تتصدرها عملية ضبط وتيرة العمل وضمان سيره بشكل منظم وصحيح، وقيامها بالتأكد من تحقيق النتائج عبر المتابعة المستمرة، بالإضافة إلى تأثيرها الكبير في الحفاظ على الموازنات ورأس المال البشري. وفي حالة وجود أخطاء أو تجاوزات أو تقاعس في أداء العمل، فإن الرقابة الإدارية تكون أساسا لعمليات الإصلاح والتصحيح. وهنا يُلاحظ بأن المؤسسات التي تفتقر لوجود رقابة إدارية وعمليات ضبط عبر جهة داخلية تقع ضمن هيكلها هي مؤسسات تواجه الوقوع في أخطاء متكررة وعديدة بنسبة كبيرة. ولا يعني ذلك خلو المؤسسات ذات الرقابة الإدارية من الأخطاء، لأن الأخطاء نتيجة ضمنية لمن يعمل مصداقا للمقولة: “من لا يعمل لا يخطئ”؛ إلا أن التعنت في الخطأ والاستمرار عليه مع القدرة على تغييره هو ما يجب العمل على تغييره.
الرقابة الإدارية عملية هامة ومؤثرة في جميع العمليات الإدارية وبالأخص المراحل الشهيرة (التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتقييم)، لأنها تتأكد من سير العمل بشكل مثالي، وكذلك تراقب أداء الموظفين والتزامهم وتضمن تطبيق أفضل الممارسات الإدارية خلال كافة العمليات. فعلى مستوى التخطيط تتأكد من وضع الخطط الصحيحة المحددة فيها الأهداف والسياسات والإجراءات ومداها الزمني، وذلك حتى تتوافر الانطلاقة المثالية لأي مشروع أو عمل. في حين يقع على عاتقها في عملية التنظيم التأكد من وضع كافة الأمور في مواقعها الصحيحة من الناحية الهيكلية وتوزيع المهام وصحة توظيف الطاقات البشرية بما يحقق أقصى درجات الكفاءة في الأداء. ويكون دور الرقابة الإدارية هاما جدا في عملية التنفيذ، فهي تتحول هنا إلى ميزان وأداة قياس تعطي مؤشرات مباشرة بشأن مدى نجاعة تنفيذ العمليات، وما إذا كانت تتجه بشكل صحيح نحو تحقيق الأهداف، أو أنها تحتاج إلى توقف وإعادة ضبط من خلال إعادة توجيه الجهود بصورة أمثل، واستمرار هذه الرقابة طوال مراحل عمل أي مشروع هو ما يكفل تقليل نسب الوقوع في الأخطاء، ويضمن حلولا مباشرة لو رصدت أخطاء. وحتى مع انتهاء كافة المراحل فإن عملية الرقابة الإدارية اللاحقة مهمة جدا، فهي توفر التقييم الشامل للمشروع أو الخدمة التي تم العمل على تحقيقها، ويمكنها وضع نسب رقمية تبين مدى جودة النتائج وحجم النجاح المحقق، وكذلك حجم التأخير أو التراجع أو الأخطاء.
تساعد الرقابة الإدارية في عملية تشخيص مسببات كل ظاهرة إيجابية أو سلبية ضمن سياق العمل، وبإمكانها قياس كل جهد بُذل وكل نجاح تحقق بما يضمن إنصاف الجهود. كما تتأكد من الالتزام بالسياسات الإدارية بحسب كل قطاع وإدارة وقسم، وهو ما يؤدي لفهم كل فرد لدوره ويجنب حدوث عمليات عشوائية. إضافة إلى ذلك تهدف إلى ضمان الاستخدام الأمثل للموارد المالية ومنع هدرها مع قدرتها على بيان أوجه التقنين والترشيد، ووضع الموازنات المناسبة بحسب المشاريع أو خطط العمل. كما تساعد الرقابة الإدارية الإدارة العليا على توزيع المهام والمسئوليات بشكل يوازن بين قدرات الكفاءات والطاقة البشرية وبين إمكانية تحقيقها للأهداف المرصودة، بحيث تكون عجلة الإنتاجية مستمرة دون وقوع أخطاء، والتقليل من وقوع الأخطاء وآثارها إن حدثت. وفي جانب مهم جدا تساهم الرقابة الإدارية في تطوير قدرات الموظفين وتحسين أدائهم من خلال قياس عطائهم ونسبة تحقيقهم للأهداف وبيان جوانب التحسين التي يحتاجون إليها وتعمل رادعا مسبقا لمن يسعى لغير ذلك. وكل هذه العمليات والاختصاصات تساعد في النهاية أصحاب القرار في الحصول على نظرة بانورامية شاملة لكافة الأوضاع المعنية بالمؤسسة وسير عملياتها وأداء كوادرها، بما يمنحهم فرصة اتخاذ قرارات للتعامل مع كافة الجوانب المرصودة.
هناك نوعان أساسيان للرقابة الإدارية، الأول هو ما يطلق عليه “الرقابة الخارجية”، والمقصود به وجود جهة مستقلة تحددها القيادة العليا في الحكومة يكون دورها مراقبة وتقييم أداء قطاعاتها المختلفة، وذلك عبر التدقيق بشكل تفصيلي على الجوانب الإدارية والنواحي المالية، بحيث ترصد انحرافات العمل الإداري والأخطاء التي تشوبه، وفي جانب آخر ترصد أية عمليات تجاوز أو هدر أو سوء استخدام للمال العام، وفي كلا الجانبين تضع الجهة المستقلة التي تمارس عملية الرقابة الإدارية والمالية تقاريرها المفصلة بشأن كل ملاحظة، مع اقتراح الحلول والمعالجات، ومن ثم التأكد من تنفيذ القطاعات لهذه التوصيات بهدف عدم تكرار الأخطاء والتجاوزات. وهذا النمط من الرقابة الإدارية بدأ ينتشر في الآونة الأخيرة عبر قيام الدول بإنشاء أجهزة خاصة للرقابة الإدارية والمالية أيضا، وذلك لضمان سلامة سير العمليات وتحقيقها لأهدافها والتأكد من أن الموازنات المالية تصرف في أوجهها الصحيحة المحددة لها.
أما النوع الآخر فمعني بـ”الرقابة الداخلية” وهي التي تقوم بها إدارة داخلية تنفذ عمليات الرقابة وتكون تابعة مباشرة لصانعي القرار والمسئولين عن القطاعات في أعلى الهيكل الوظيفي، وحتى تتحقق الاستفادة المثلى من الرقابة الإدارية الداخلية لابد وأن تتسم عملياتها بالجدية والشفافية والوضوح بحيث لا تغفل أية جوانب، ولا تستثني أية كوادر، وأن ترفع تقاريرها بشكل مفصل للجهة العليا مع وضع توصيات معنية بعمليات التصحيح.
وهناك تفريعات أخرى للرقابة الإدارية الداخلية في أية مؤسسة، وهي التي تكون ذات جوانب مختصة بكافة عناصر العمل، مثل الرقابة على الموارد المالية والموارد البشرية وعلى سير الخطط الاستراتيجية والعمليات التشغيلية وعلى تنفيذ المشاريع، وهدفها يكون التأكد من سير كافة الأمور بشكلها الصحيح.
وللتطبيق الأمثل لعمليات الرقابة الإدارية، هناك عدة وسائل يتم تطبيقها كأدوات قياس تساعد في عملية الرقابة ووضع الملاحظات ومن ثم التقييم، وأشهرها اعتماد التقارير الإدارية لكل فرد في المنظومة، والتي من المهم أن توضع بناء على معايير للأداء مرتبطة بأهداف رئيسية وتكون قابلة للقياس والتحقق، وهذه العملية تساعد على بيان مستوى أداء كل موظف على حدة، مع منح مجال للتوجيه والإرشاد والتصحيح. بموازاة ذلك يكون الإشراف الإداري المبني على المتابعة لسير العمل أحد الأدوات الهامة التي يتم الاعتماد عليها في عملية الرقابة الإدارية، وهنا يكون دور الإدارة الوسطى من المدراء والمسئولين والمشرفين أساسيا في متابعة التنفيذ والتقييم، بما يجعلهم عوامل مساعدة للجهة التي تضطلع بعملية الرقابة الإدارية الشاملة، مع ملاحظة أن الإشراف الإداري المستمر يساهم بشكل كبير في عملية تصحيح أية انحرافات وضبط للأداء وتعزيز عمل الموظفين وتمكينهم ومساعدتهم على مواجهة الصعوبات والتغلب على المعوقات.