الأهداف الموضوعة ضمن أي خطة معنية بالدولة أو بالمؤسسات الحكومية التي تشكل هيكلها الإداري لا تتحقق إلا من خلال عمليات إدارية مثالية ترتقي بالأداء وبالتالي المخرجات، إلا أن الواقع العملي يشكل كثيرا من التحديات التي لا يخلو منها أي عمل جاد.
لذلك أولت كثير من الحكومات والمنظومات اهتماما كبيرا بعملية الإصلاح الإداري، باعتباره الأساس الذي تبنى عليه العديد من العمليات المرتبطة بالتطوير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وربطت هذا الإصلاح بحراك متجدد يسعى للوصول إلى المثالية والكمال، وهو حراك لا يتوقف، فعملية الإصلاح الإداري لا تنتهي أبدا، حتى وإن لم توجد المشاكل والأخطاء، فإن التطوير مطلوب لمواكبة المتغيرات المستمرة.
هناك تعاريف عديدة لـ“الإصلاح الإداري“ تتنوع بحسب تنوع مدارس الإدارة العامة والباحثين في علم الإدارة، لكن المفهوم الشامل لهدف هذه العملية الممكن استخلاصه من هذه التعاريف ليوضع في قالب موحد ينص على أن ”الإصلاح الإداري“ يمثل الأداة القوية لأية حكومة أو منظومة تسعى لتطوير عملياتها وسياساتها بما يحقق أهدافها وفي نفس الوقت يساعدها في التخلص من سياسات قديمة أو سلوكيات معطلة للتطوير المهني وحتى تطوير القوى العاملة.
وعليه فإن الإصلاح الإداري يمكن أن يعرف على أنه عملية إعادة هندسة العمليات الإدارية عبر إصلاح وتطوير نظمها وإعادة التفكير في المناهج والأساليب العملية وتبني الناجح منها أو الأكثر ابتكارا بما يزيل أية أخطاء وينهي أية ممارسات خاطئة، ونتيجة لذلك يحقق التحسين في المستوى ويرفع مستوى الكفاءة بما يتوائم بالضرورة مع المتغيرات الداخلية والخارجية.
الاستفادة من الإصلاح الإداري تتحقق في عدة جوانب، أولها الجانب الداخلي المعني بالحكومة عبر أجهزتها المختلفة، فهو يُبنى على منظومة للقيم والمبادئ هي التي تضبط إيقاع سير العمل في أجواء إيجابية تركز على الوصول للأهداف دون تعقيدات، إذ متى ما أرسيت مبادئ سامية في العمل الإداري مثل العدالة وتعزيز الإنتاجية والتطوير الشخصي واعتماد المرونة والقضاء على البيروقراطية، فإن ذلك يعزز من تحمل المسئولية ويرفع من الالتزام بالأداء الوظيفي ويقوي الولاء المؤسسي، وينعكس ذلك إيجابا تباعا على جودة الخدمات المقدمة للجمهور المستهدف، ورفع الإنتاجية وتجديد الخدمات لهذه الشريحة الأخيرة هي الفائدة المرجوة من هذا الإصلاح على الصعيد الخارجي.
وقد توجد نماذج لعمليات تغيير تمت تحت شعار ”الإصلاح الإداري“ لكنها لم تحقق المرجو منها وظلت الأمور السابقة على ما هي عليه، والسبب الرئيس في ذلك يعود لنسبة القناعة والإيمان بشأن الحاجة لهذا الإصلاح، إذ هي عملية ترتكز على التغيير الحقيقي الفعلي لا على الشعارات، فالحاجة لإجراء إصلاح إداري لابد وأن تكون مبنية على تقييم شامل للأداء وقياس نسبة تحقق الأهداف وأيضا الرصد والاعتراف بالظواهر السلبية وأوجه الخلل والأخطاء التي تحتاج لإقصاء وإبعاد، لأن الأخيرة تُعد من العوامل المؤثرة في تعطيل عمل المنظومة وتحقيق أهدافها. وهنا لابد من الإجابة أولا على السؤال المحوري: ”ماذا نريد“ من وراء عملية الإصلاح الإداري؟!
لبدء أي عملية إصلاح إداري ، لابد من ربطها بالاستراتيجية من الرؤية والرسالة والأهداف التي تعمل ضمنها الحكومة أو المؤسسة المعنية، إذ تحديد الإطار المهني أمر هام يمنع التشتت والتمدد في الخطط والعمليات، وأيضا من المهم أن تبدأ الإصلاحات من رأس الهرم أو السلطة الأعلى وذلك لتأسيس نموذح يحتذى به في شأن عملية التغيير، ويعكس الرغبة الصادقة والجدية أيضا في تطبيق هذه الإصلاحات، وقد تبدأ من أسفل الهرم بناء على رغبات العاملين أو الجمهور المستهدف أو المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
الممارسات المرتبطة بالإصلاح الإداري تتركز على تعزيز حزمة القيم والمبادئ في العمليات الإدارية، ووضع اليد على السلبيات والأخطاء والعمل على عدم تكرارها وتجنب مسبباتها، إضافة إلى ضرورة تركيز الإصلاح على الأداء الجماعي لمنظومة العمل لا على الأداء الفردي، فالإصلاح في أساسه يستهدف منظومة العمل ككيان، لكن دون إهمال التطوير الشخصي.
وحين يتم وضع خطط العمل الجديدة أو المحسنة لابد من تطويع بيئة العمل مع المتغيرات المختلفة المعنية بالتنظيم الإداري والتي تؤثر على كفاءة الأداء والسرعة والتحول الإلكتروني بما يواكب تطلعات الجمهور المستهدف وتحقيق رضاه.
هنا لابد من القياس الدوري لنتائج عملية الإصلاح الإداري، وهل حققت التغيير المطلوب، أم مازالت هناك سلبيات ومعيقات مشابهة لما كانت عليه سابقا؟! وهذا التقويم المستمر لكافة العمليات، ومراجعة الحالات التي تعرضت لمشكلات، وتحسينها على الدوام، مسألة من شأنها التأكيد على سلامة الإصلاح الإداري المعتمد.
وقد تواجه عملية الإصلاح الإداري معيقات تعرقل تحققها بالتصور المطلوب، على رأسها عدم توافر الظروف المناسبة لبدء التغيير، سواء من ناحية مالية أو تشريعية أو اجتماعية أو تقنية أو بيئية أو سياسية، إضافة إلى إمكانية وجود عناصر تعمل بشكل معاكس ومضاد لعمليات الإصلاح هذه، وغالبا ما يكون السبب هو الخوف من التغيير الذي قد يؤثر على مزايا بعض العناصر، لكن من المهم تقليص نفوذهم يكون تأثيرهم ضئيلا مقارنة بالأغلبية التي تتطلع للتغيير والإصلاح.
عمليات الإصلاح الإداري ممارسة مستمرة ومطلوبة في المجتمعات التي تسعى بشكل دائم لتطوير أدائها وتعزيز كفاءة كوادرها وتحسين مخرجاتها، لأنها الأداة التي تحول مواقع العمل إلى مواقع شعارها الابتكار والإنتاجية وتحقيق الإنجازات خدمة لجماهيرها المستهدفة، لما يسودها من أجواء تنظيم وعدالة وثبات باتجاه تحقيق الأهداف.