علم الإدارة مبني على عدة جوانب، المتعارف منها ينحصر على “إدارة البشر”، “إدارة الموارد”، “إدارة الخدمات” و”إدارة التطوير والتحسين”، لكن في العقود الأخيرة أضيف إليها بشكل رئيسي “إدارة الأزمات”، وأصبحت من المواضيع الرئيسية التي تدرس في علوم الإدارة بالنظر لكثرة الأزمات المختلفة، بل تم تحديث نظم الجودة كي تعكس أهمية إدارة الأزمات في تطوير المؤسسات إن لم يكن الحفاظ على بقائها.
تتعدد التعريفات التي تشرح مفهوم “إدارة الأزمات”، لكن يمكن اختصار المفهوم على أنها “عمليات تتضمن التنبوء بالإشكاليات والأزمات المتوقعة وتحديد الإجراءات الممكن أو المفروض إتباعها حال حدوثها؛ بهدف السيطرة والتعامل مع وضع مفاجئ أو طارئ يسبب أضرارا جسيمة وخللا في استقرار النظام الإداري ويعرقل العمليات الاعتيادية، وتسعى هذه العملية إلى إعادة التوازن عبر إجراء تغييرات ومعالجات سريعة، ويتعدى المفهوم حل المشكلة الآنية ليشمل منع حدوثها من الأصل ومعالجة مسبباتها كي لا تحدث من الأساس أو تعاود الحدوث في المستقبل “.
الأزمات عادة تقع بصورة فجائية، وقد تكون لها مؤشرات تنذر بها، لكن وقوعها الفجائي قد يُصعب عملية اتخاذ الإجراءات المناسبة في حينها، بالتالي تبدأ خصائص الأزمة بالظهور من ناحية تأثيرها على النظام واختلاله أو تسببها في أضرار مالية وبشرية، وقد تقود لظهور مشكلات أخرى مصاحبة لا توجد ازائها أية استعدادات أو استراتيجيات للتعامل.
وتتعدد مستويات الأزمات بحسب مستويات تأثيرها، فمنها ماله تأثير على الدول أو الحكومات ومنها ماله تأثير مباشر على مؤسسة أو قطاع أو إدارة بعينها.
هناك أسباب لوقوع الأزمات، وكل أزمة لها بواعثها الخاصة، لكن في العموم يمكن حصر هذه الأسباب في ثلاثة تصنيفات كالآتي:
أولا: العنصر البشري: وتأتي في البداية الأخطاء البشرية في العمل والتي قد تكون نتيجة لسوء الفهم أو عدم استيعاب المعلومات أو الافتقار للكفاءة والمهارات والتدريب اللازم، بالإضافة إلى سوء التقدير والقرارات الخاطئة بالنظر لتأثيرها الكبير على سير العمل.
ثانيا: الأسباب الإدارية: وهنا يتصدرها سوء السياسات (الحكومية والعامة) والعمليات الإدارية وعدم وضوح الأهداف وضعف العلاقات بين الأفراد داخل منظومة العمل.
ثالثا: أسباب خارجة عن الإرادة: والمقصود بها الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين وتفشي الأوبئة أو الوقوع في محيط متأزم بالحروب والتوترات بالتالي تنعدم البيئة الآمنة.
تمر الأزمات بعدة مراحل تحدد منحنى تطورها وصولا إلى نزول مؤشر خطرها أو أثرها السلبي بدل تصاعده في حال نجاح التعامل معها. البداية تكون عبر ظهور بوادر الأزمة، وهي تمثل مؤشرا أو إنذارا مبكرا، تعقبها مرحلة تسمى بـ”نمو الأزمة” وفيها تزيد حدتها وعادة تكون نتيجة قرارات سريعة بعضها لم يتم استشراف تداعياتها، بعدها تدخل أخطر مراحل الأزمة وهي مرحلة “النضوج” بحيث تتفاقم الأضرار وتتعقد الملابسات وربما تتداخل عوامل أخرى معها، وهنا تستدعي عمليات تدخل مدروسة ومخطط لها بعناية، وإن كتب لهذه العمليات النجاح فإن الأزمة تدخل مرحلة “الانحسار” ومن ثم تبدأ بالتلاشي وتختفي مظاهرها وتأثيراتها بالتدرج.
عملية احتواء الأزمات تعتبر فنا بحد ذاته، ورغم تنوع الأساليب والإستراتيجيات إلا أن الأهداف منها تتلخص في التالي: السيطرة على الأزمة عبر تقليل الأضرار، ومن ثم ضمان استقرار الوضع وصولا إلى مرحلة التعافي منها.
قبل اتخاذ أية إجراءات لمواجهة الأزمة لابد من توفير عناصر أساسية هي تمثل وسيلة النجاح للتغلب عليها، أول هذه العناصر تتمثل بالقيادة بحيث يقود مواجهة الأزمة قائد إداري قادر على اتخاذ القرارات الصعبة والسريعة في نفس الوقت، والعنصر الثاني الهام في المعادلة يتمثل بإيجاد فريق للأزمات يتكون من كفاءات قادرة على تحمل المسئولية والعمل تحت الضغوط ولديها الإمكانية لابتكار الحلول والمعالجات، والمهم في معادلة “القائد والمجموعة” التي تواجه الأزمة العمل بطريقة تكاملية مبنية على الثقة وتوحيد الجهود وتحمل المسئولية. وعادة ما يعمل الفريق في “غرف للعمليات والطوارئ” قد تدار على مدار الساعة، وفيها توضع الخطوط العريضة لكيفية إدارة الأزمة.
للتعامل مع الأزمات لابد من وضع خطة عمل مكتوبة وواضحة الأهداف يتفق عليها أفراد الفريق، ويتم إطلاع الشريحة المتأثرة بعمل الجهة المعنية وذلك من خلال قنوات الإعلام والإتصال الرسمية أو عبر تعيين متحدث رسمي مهمته نشر المعلومات والتطورات أولا بأول لمنع أية إشاعات، فالأخيرة هي العامل الخطير في أي أزمة، وعدم التصدي لها يمكن أن يفاقم تأثير الأزمة على الشريحة المستهدفة، مما يزيد من الأضرار المترتبة عليها.
لا يجب التعامل مع الأزمات بردود فعل، وعليه لابد من المرور بعمليات التخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة، وهي ما تقود لقرارات مدروسة بعناية، وهنا لابد من القائد المتابعة المتواصلة لما يحدث في غرفة العمليات المنشأة لإدارة الأزمة بحيث يتابع ويوجه فريق الأزمات ويتبادل معهم المعلومات والتطورات حتى يكون الجميع على مستوى واحد من فهم الأزمة والتعاطي معها.
حينما تتم معالجة الأزمة والقضاء عليها لابد من تدوين كافة العمليات التي تمت بحيث تكون مرجعية للتعامل مع أية مشكلات مستقبلية، وجزء من التعلم المؤسسي لتكون مما يعين على وضع استراتيجيات لأزمات مفترضة قد تقع مستقبلا، أي القدرة على “التنبؤ المستقبلي” لأية أحداث بحسب المؤشرات التي ترصد وهذا لا يتأتى إلا عبر التدريب على وضع خطط التعامل مع الأزمات ووضع السيناريوهات لأزمات مختلفة، وهذه سياسة تطبقها كثير من المؤسسات العالمية بهدف الوقاية وتجنب الأضرار عبر التعلم من التجارب والأخطاء والبناء على قصص النجاح.